التعليم الأولي في المغرب: مرآة أزمة المنظومة ومختبر المطالب الاجتماعية

ابراهيم
الوطنيةثقافةقضايا عامة
ابراهيم5 أكتوبر 2025آخر تحديث : منذ يوم واحد
التعليم الأولي في المغرب: مرآة أزمة المنظومة ومختبر المطالب الاجتماعية
التعليم الأولي في المغرب: مرآة أزمة المنظومة ومختبر المطالب الاجتماعية

في الوقت الذي يحتفل فيه العالم باليوم العالمي للمدرس (5 أكتوبر)، حيث يُرفع شعار الامتنان والاعتراف بمكانة من يحملون رسالة التربية والتعليم، يجد العاملون في قطاع التعليم الأولي بالمغرب أنفسهم أمام واقع لا يليق لا بقدسية الرسالة التربوية التي يحملونها، ولا بالدور المحوري الذي يضطلعون به في بناء الإنسان منذ سنواته الأولى.

هذا القطاع، من المربين والمربيات إلى المشرفين التربويين، مرورا بالأطر الإدارية والمكونين والمسؤولين الإقليميين، يواجه كل أشكال التهميش البنيوي والمؤسساتي، ويختزل في تفاصيل معاناته صورة مكثفة للأزمة الشاملة التي يعيشها التعليم بالمغرب.

المربيات والمربون: حجر الأساس في الهشاشة وغياب الاعتراف.

المربيات والمربون هم القلب النابض للتعليم الأولي، حيث يتعاملون يوميا مع الأطفال ويشكلون اللبنات الأولى لشخصياتهم وقيمهم ومهاراتهم. إلا أن الواقع يكشف مفارقة صارخة: هذه الفئة التي يفترض أن تحظى بأقصى درجات الدعم تعيش أوضاعا مهنية واجتماعية هشة، تشمل أجورا هزيلة، عقودا قابلة للإنهاء في أي لحظة، غياب الحماية على كل المستويات، وظروف عمل صعبة مع تعدد المهام. هذا الوضع لا يضر بالمربين والمربيات فحسب، بل يؤثر مباشرة على جودة التعليم الذي يتلقاه الطفل في هذه المرحلة الحساسة.

المشرفون التربويون: جنود في الظل بلا تحفيز.

المشرف التربوي يمثل العصب الأساسي للعملية التأطيرية والبيداغوجية، فهو يواكب المربين والمربيات، يوجه الممارسة التربوية داخل أقسام ووحدات التعليم الأولي، ويضمن جودة التعليم. ومع ذلك، يعاني المشرفون من تهميش مستمر، بما في ذلك غياب إطار قانوني محدد لمهامهم، مهام تفوق طاقتهم أحيانا، أجور هزيلة، ووسائل عمل محدودة، وتنقلات مرهقة بين المؤسسات دون تعويضات عادلة أو اعتراف بمجهودهم. لقد أصبح المشرف التربوي فاعلا “غير مرئي”، رغم أهمية دوره في نجاح السياسات العمومية وضمان جودة التعليم.

الأطر الإدارية: الواجهة المنسية للتسيير والتنظيم.

الأطر الإدارية تشكل العمود الفقري للتنظيم المؤسسي للتعليم الأولي، فهي تشرف على الجوانب الإدارية والتقنية وتنسق العمليات لضمان سير المؤسسات بسلاسة. إلا أن هذه الفئة تعاني من تهميش مزمن: غياب إطار قانوني محدد، أجور ضعيفة، حرمان من أبسط شروط العمل مثل المكاتب والتجهيزات، ووسائل لوجستية محدودة أو منعدمة. تجاهل وضعية الأطر الإدارية يضعف أي إصلاح حقيقي ويجعل القطاع هشا أمام أول اختبار تنظيمي.

المكونون والمسؤولون الإقليميون: أدوار محورية بلا إطار أو سلطة.

المكونون الذين يؤهلون المربين قبل وبعد دخولهم الميدان يعانون من غياب إطار قانوني واضح واستقرار مهني، وندرة الموارد لتجويد التكوين، مع غياب التعويضات المناسبة.
المسؤولون الإقليميون من جهتهم يعيشون ضغطا دائما بين متطلبات الميدان، ضعف الموارد، وتعدد المتدخلين مع غموض الأدوار، دون سلطة فعلية لاتخاذ القرار أو حل الإشكالات البنيوية، مما يجعلهم مجرد منفذين لقرارات مركزية لا تراعي خصوصيات الواقع الميداني.

التعليم الأولي والمطالب الشعبية: القضية واحدة.

معاناة العاملين في التعليم الأولي ليست منفصلة عن السياق الاجتماعي العام في المغرب. الحركات الاحتجاجية والمطالب الشعبية التي ترفع شعارات “التعليم، الصحة، التشغيل…” تعبر عن أزمة نموذج تنموي لم يضع الخدمات الاجتماعية الأساسية في صلب أولوياته.
تماما كما يعاني المواطن من ضعف الخدمات الصحية وندرة فرص الشغل، يعاني الطفل المغربي من تعليم أولي لا يرقى إلى طموحات الأسرة والمجتمع. المربون والمشرفون والمكونون والأطر الإدارية يطالبون بحقوقهم الأساسية: أجر عادل، حماية اجتماعية، واستقرار مهني، كما يطالب الشباب بعمل كريم.

نحو مشروع وطني للتعليم الأولي.

إصلاح التعليم الأولي لا يمكن أن يتم بسياسات ترقيعية أو مبادرات موسمية. المطلوب هو الإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية ضمن النظام الأساسي الخاص بموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية، وتبني مشروع وطني شامل يجعل من التعليم الأولي أولوية استراتيجية، مع إطار قانوني يحمي الحقوق الأساسية، ويربط الجودة بتحسين ظروف العمل والتكوين وتوفير الموارد اللازمة.
إعادة الاعتبار للتعليم الأولي يجب أن تكون جزءا من رؤية تنموية شاملة، تعيد الاعتبار للتعليم والصحة والتشغيل كركائز لأي مجتمع عادل ومتقدم. التعليم الأولي ليس قطاعا ثانويا، بل هو القاعدة الصلبة التي تبنى عليها كل المراحل التعليمية اللاحقة، والاستثمار في الإنسان يبدأ من أولى سنواته.
الاحتفاء باليوم العالمي للمعلم لا يكون بالكلمات فقط، بل بالاعتراف الحقيقي بجهود من يحمل همّ التربية والتعليم، وجعل كرامتهم وحقوقهم وجودة عملهم في صميم السياسات العمومية.

علي زهواني

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...
موافق