جيل “زد 212” من “ديسكورد” إلى الشارع: هل نعيش صحوة شبابية أم هندسة سياسية؟

ابراهيم
2025-10-05T09:22:14+03:00
أحداثالوطنيةثقافة
ابراهيم4 أكتوبر 2025آخر تحديث : منذ يومين
جيل “زد 212” من “ديسكورد” إلى الشارع: هل نعيش صحوة شبابية أم هندسة سياسية؟
جيل “زد 212” من “ديسكورد” إلى الشارع: هل نعيش صحوة شبابية أم هندسة سياسية؟

شهد المغرب مؤخرًا موجة احتجاجات غير مسبوقة، وُصفت إعلاميًا بأنها صادرة عن ما سُمي بـ”جيل زد 212″، وهي تسمية أثارت الكثير من التساؤلات حول مصدرها، دلالاتها، والأطراف التي قد تكون وراءها، فهل نحن أمام حركة شبابية حقيقية خرجت فعلا من رحم فضاء رقمي ؟ أم أن هناك من صاغ هذه الهوية لأغراض تتجاوز مجرد التعبير الاجتماعي؟

انطلقت شرارة الاحتجاج يوم 27 شتنبر، ولم تكن مقتصرة فقط على الشباب، بل كانت مشتركة وتضم جميع الفئات العمرية، في مشهد غير مألوف يعكس اتساع رقعة الغضب الشعبي وتعدد مصادره، في قلب هذا الحراك، برز اسم “جيل Z 212” كعنوان جديد للاحتجاجات، وُصف بالعفوي، لكنه أثار في المقابل تساؤلات عميقة حول من يقف وراءه، ومن يروّج له، ومن ينسّق خطواته.

فرغم ان التسمية نفسها تحمل رمزية مركبة “جيل زد” تشير إلى الفئة العمرية المولودة بين أواخر التسعينات وبداية الألفية، و”212″ هو رمز الهاتف الدولي للمغرب، لكن الغريب أن هذا الاسم لم يكن متداولًا قبل الاحتجاجات، ولم تظهر له أي مؤشرات رقمية واضحة، لا تدوينات جماعية، لا صور، ولا مقاطع فيديو توثق لحظة التنسيق أو التعبئة، ورغم ذلك إنتشرت التسمية بسرعة عبر وسائل الإعلام، وكأنها هوية جاهزة لتفسير ما حدث، مما يفتح الباب أمام فرضيات متعددة.

ما يروَّج إعلاميًا أن هذه الحركة خرجت من منصة “ديسكورد”، وهي فضاء رقمي معروف أكثر في أوساط الألعاب، لتتحول إلى منبر للتنسيق بين شباب من مختلف جهات المملكة، دون قيادات واضحة أو هياكل تنظيمية، هذا التنسيق الرقمي، الذي لا يُرى ولكن تُسمع نتائجه في الشوارع، يطرح علامات استفهام حول مدى واقعيته، خاصة في ظل قدرة الحركة على تنظيم احتجاجات متزامنة في عشرات المدن، وبشعارات موحدة.

من جهة، قد تكون هذه الاحتجاجات فعلًا تعبيرًا عفويًا عن غضب شبابي متراكم، تغذيه الأوضاع الاجتماعية الصعبة، وتُشعل شرارته المنصات الرقمية، لكن من جهة أخرى لا يمكن تجاهل احتمال أن تكون هناك جهات سياسية أو إعلامية او غيرهما ساهمت في صناعة هذه الهوية، أو على الأقل في تضخيمها لأغراض تتعلق بإعادة توجيه الرأي العام وذلك في ظل اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، قد يكون من مصلحة بعض الأطراف إعادة تشكيل المزاج الشعبي، ودفعه نحو التصويت في حالة غضب، دون أن يكون الهدف هو اختيار بديل واضح، بل فقط إسقاط الحكومة الحالية.

هذا النوع من التعبئة لا يحتاج إلى تنظيم حزبي، بل يكفيه خلق حالة من السخط العام وتغليفها بهوية شبابية تبدو مستقلة لكنها تخدم أهدافًا سياسية غير معلنة، كما أن هناك من يرى أن هذا النوع من الاحتجاجات الرمزية قد يُستخدم كأداة لتشتيت انتباه الشعب عن قضايا أكثر عمقًا، مثل اختلالات العدالة الاجتماعية، أو فشل السياسات التنموية، أو حتى ملفات الفساد، فحين ينشغل الرأي العام بتسمية جديدة وتكتل غامض، يصبح من السهل تمرير رسائل سياسية أو إعلامية دون مساءلة حقيقية.

ما هو مؤكد أن هذا الجيل، سواء وُجد كتنظيم فعلي أم لا، فهو يُعبّر عن أزمة ثقة عميقة في المؤسسات، ورغبة في الانعتاق من واقع اجتماعي واقتصادي يزداد اختناقًا، لكن ما يجب الحذر منه هو أن تُستخدم هذه الفجوة كأداة للمناورة بدل أن تكون مدخلًا لإصلاح حقيقي، وفي النهاية يبقى الشعب هو المحور الأساسي لهذا اللعب السياسي، فسواء كانت الاحتجاجات عفوية أو موجهة فإنها تعكس حالة من القلق والتوتر وتُظهر أن هناك فجوة حقيقية بين المواطن ومؤسسات الدولة.

التحليل يبقى مفتوحًا، والواقع يفرض علينا طرح الأسئلة لا الاكتفاء بالمسميات، فهل نحن فعلاً أمام بداية وعي شبابي جديد يُعيد تعريف العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة؟ أم أننا بصدد لحظة إعلامية مفبركة صُممت بعناية لتفسير ظاهرة احتجاجية دون التعمق في أسبابها؟ أم أن هناك من يُعيد تشكيل المشهد السياسي من خلف الستار، مستخدمًا الشباب كواجهة والغضب الشعبي كوقود؟

هذه الأسئلة لا تشكك في صدق الغضب الشعبي، بل من الحاجة إلى فهم أعمق لما يجري، بعيدًا عن الانفعالات اللحظية أو التفسيرات السطحية، فالحراك مهما كانت خلفياته يعبّر عن خلل بنيوي في العلاقة بين المواطن والدولة، وعن شعور متزايد بالتهميش واللاجدوى، وفي النهاية يبقى الشعب هو المحور الأساسي لهذا اللعب السياسي، فسواء كانت الاحتجاجات عفوية أو موجهة، فإنها تعكس حالة من القلق والتوتر، وتُظهر أن هناك فجوة حقيقية بين المواطن ومؤسسات الدولة، فجوة لم تعد تُحتمل في ظل انسداد الأفق الاجتماعي.

المصطفى اخنيفس

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...
موافق