تُعَد دار الدباغة بمدينة فاس العتيقة من أبرز معالم التراث الحرفي في المغرب، حيث ارتبطت هذه الحرفة التقليدية بصناعة الجلد منذ قرون طويلة. تُعتبر الدباغة من أقدم الحرف في المدينة، حيث يعود تاريخها إلى العصور الوسطى عندما كانت فاس مركزًا حضاريًا واقتصاديًا مهمًا في المنطقة.
في دار الدباغة، يمارس الحرفيون مهنتهم باستخدام تقنيات تقليدية توارثوها عبر الأجيال. تتميز هذه العملية باستخدام المواد الطبيعية مثل لحاء الشجر والملح والجير لتنظيف ودبغ الجلود، مما يمنحها جودتها ومتانتها المميزة. ويقوم الحرفيون بتحويل الجلود إلى منتجات متنوعة مثل الحقائب والأحذية والملابس الجلدية، التي تشتهر بجودتها العالية وتصاميمها التقليدية.
ومع ذلك، تواجه هذه الحرفة تحديات عديدة تهدد استمراريتها. فمع تطور التكنولوجيا وظهور المصانع الحديثة، أصبحت تقنيات الدباغة التقليدية تبدو قديمة ومعقدة، ما أدى إلى تراجع الإقبال عليها. بالإضافة إلى ذلك، يعاني الحرفيون من نقص الدعم المادي والمعنوي، حيث تفتقر دور الدباغة إلى التجهيزات والمعدات الحديثة التي من شأنها تحسين ظروف العمل وجذب الشباب لتعلم هذه الحرفة.
من جهة أخرى، يشكل التلوث الناتج عن عمليات الدباغة التقليدية تحديًا بيئيًا يضاف إلى التحديات التي تواجه هذه الحرفة. فالتخلص من النفايات والمواد الكيماوية المستخدمة في عملية الدباغة يؤثر سلبًا على البيئة المحيطة، مما يفرض ضغوطًا إضافية على الحرفيين.
وفي ظل هذه التحديات، تبرز الحاجة إلى جهود مشتركة من قبل الجهات المعنية للحفاظ على هذه الحرفة التقليدية. يتطلب الأمر برامج دعم وتدريب لتحسين مهارات الحرفيين وتطوير منتجاتهم بما يتماشى مع متطلبات السوق الحديث. كما يجب تعزيز الوعي بأهمية هذه الحرفة كجزء من التراث الثقافي للمغرب، وتشجيع السياح والزوار على زيارة دور الدباغة وشراء منتجاتها.
دار الدباغة بفاس ليست مجرد مهنة، بل هي جزء من الهوية الثقافية للمدينة وللمغرب ككل.
الحفاظ على هذه الحرفة التقليدية ودعم الحرفيين الذين يمارسونها يمثل تحديًا ومسؤولية جماعية لضمان استمرارية هذا التراث الغني للأجيال القادمة.
جافير منال