ابن أحمد تحت الحصار الصامت : المختلون عقلياً والمشردون بين الإهمال المؤسسي وصمت المجتمع

ابراهيم
أحداثقضايا عامةمجتمع
ابراهيم5 يوليو 2025آخر تحديث : منذ 3 أيام
ابن أحمد تحت الحصار الصامت : المختلون عقلياً والمشردون بين الإهمال المؤسسي وصمت المجتمع

في قلب مدينة ابن أحمد، تلك الحاضرة الهادئة التي لطالما عُرفت بكرم أهلها وتماسك نسيجها الاجتماعي، تتفاقم ظاهرة مقلقة باتت تهدد أمن وسلامة المواطنين، وتضع علامات استفهام كبرى حول دور المؤسسات الصحية والاجتماعية في حماية الفئات الهشة وضمان كرامة الإنسان.

مشهد يومي مقلق: عنف في وضح النهار

لم يعد من الغريب أن يصادف المواطنون في شوارع المدينة، خاصة في محيط محطة سيارات الأجرة “سيدي حجاج”، مشاهد لمختلين عقلياً يتجولون بلا رعاية، يصرخون، يرشقون المارة بالحجارة، أو يعتدون عليهم جسدياً. أسماء مثل “سيمو” لم تعد غريبة عن سكان المدينة، بل أصبحت مرادفاً للخوف والقلق، بعد أن تسبب في إصابة ثلاثة أشخاص في شهر واحد، دون أن يجد من يوقفه أو يعالجه.

رغم تدخل الشرطة المحلية وإحالة المعتدي إلى مستشفى الرازي للأمراض النفسية، اصطدمت الجهود بجدار من الإهمال الإداري، حيث غابت الطبيبة المسؤولة، ورفض المستشفى استقباله. وحتى مستشفى “تيط مليل” لم يكن أكثر رحمة، ليعود “سيمو” إلى المدينة ويواصل اعتداءاته، في مشهد عبثي يختزل فشل المنظومة الصحية في التعامل مع هذه الفئة.

مستشفى الرازي… أبواب موصدة في وجه المعاناة

تتجه أصابع الاتهام إلى مستشفى الرازي، الذي يُفترض أن يكون الملاذ الآمن للمختلين عقلياً، لكنه تحول إلى رمز للخذلان. غياب الطبيبة بشكل مستمر، ورفض استقبال الحالات، جعلا من المستشفى جزءاً من المشكلة بدل أن يكون جزءاً من الحل. هذا الإهمال لا يضر فقط المرضى، بل يضع المواطنين في مواجهة مباشرة مع الخطر، دون حماية أو تدخل فعّال.

أين وزارة الصحة والحماية الاجتماعية؟

في ظل هذا الوضع المتدهور، يتساءل المواطنون: ما دور وزارة الصحة والحماية الاجتماعية؟ كيف يُعقل أن تتحول مدينة ابن أحمد إلى مأوى غير رسمي للمشردين والمختلين عقلياً من مختلف الأعمار والجهات؟ وهل هناك من يراقب كيف ولماذا تصل هذه الحالات إلى المدينة؟ الأسئلة كثيرة، والإجابات غائبة.

⚠️ خطر يهدد السلم الاجتماعي

الاعتداءات لم تعد حالات معزولة، بل أصبحت نمطاً متكرراً. المواطن المزابي، كما الزائر، بات يتحسس خطواته في الشوارع، متوجساً من ردود فعل غير متوقعة: حجر طائش، شتيمة نابية، أو حتى اعتداء جسدي. المقاهي، المحلات، وحتى المؤسسات البنكية، لم تسلم من مضايقات المتشردين الذين يطالبون بالمال أو يفرضون وجودهم بالقوة.

غياب المقاربة التشاركية

في ظل غياب استراتيجية مندمجة تجمع بين المقاربة الأمنية والاجتماعية، تبقى المدينة رهينة لحلول ترقيعية لا ترقى إلى مستوى التحدي. الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية، التي يُفترض أن تكون في الصفوف الأمامية، تلتزم صمتاً مريباً، أو تكتفي بردود فعل موسمية لا تلامس جوهر الأزمة.

الحل في مراكز الإيواء والرعاية النفسية

الحل لا يكمن في الترحيل أو التجاهل، بل في إحداث مراكز إيواء متخصصة، تقدم الرعاية النفسية والاجتماعية اللازمة، وتعيد لهؤلاء الأشخاص كرامتهم، وتحمي المجتمع من تداعيات إهمالهم. كما أن التنسيق بين السلطات المحلية، وزارة الصحة، والمجتمع المدني، بات ضرورة لا تحتمل التأجيل.

وختاما، تبقى مدينة ابن أحمد شاهدة على معاناة مزدوجة: معاناة المختلين عقلياً الذين تُركوا لمصيرهم، ومعاناة المواطنين الذين يدفعون ثمن هذا الإهمال. فهل تتحرك الجهات المعنية قبل أن تقع الكارثة التالية؟ أم أن “الوقاية خير من العلاج” ستظل مجرد شعار يُردد بعد فوات الأوان؟

تقرير: محمد فتاح

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...
موافق