
في مشهد بات يتكرر، ها هي مهنة صاحبة الجلالة تجد نفسها مرة أخرى واقفة في قفص الاتهام، لا لأنها أخلّت بميثاق الشرف المهني، بل لأنها اختارت أن تلامس مواطن الوجع، وتسائل من هم في مراكز القرار.
محاكمة الصحافي حميد المهداوي لم تكن محض حدث عابر، بل لحظة فارقة تعيد فتح النقاش العميق: هل بات النقد العلني جريمة؟ وهل أصبح على الصحافي أن يُفكر مرتين قبل أن يطرح سؤالاً؟ الأسوأ من ذلك، هل تتحول المحاكم إلى ساحات لتكميم الأفواه باسم القانون؟
إن اللجوء المتزايد إلى الفصل بين حرية الصحافة والقانون عبر بوابة المتابعات القضائية يجعلنا في مأزق مزدوج: فمن جهة، نحن مطالبون بحماية كرامة الأفراد والمؤسسات، وهذا لا خلاف عليه؛ لكن من جهة أخرى، لا يمكن أن يكون هذا على حساب الحق في التعبير والنقد، ما دام يتم في إطار مهني ومسؤول.
الصحافة ليست طرفًا في معركة شخصية، بل سلطة معنوية تمارس واجبها في الإخبار، والتنوير، والمساءلة. وفي كل مرة يتم فيها تقييد هذا الدور، نخسر جميعًا هامشًا من الحرية، ومساحة من الأمل في التغيير.
آن الأوان لإعادة الاعتبار لقانون الصحافة والنشر، لا بوصفه فقط بديلاً عن المتابعات الجنائية، بل كضمانة دستورية لحماية الكلمة الحرة من سيف الردع.
فالصحافة التي تُحاكم اليوم، هي ضمير المجتمع الذي قد يصمت غدًا… وإذا صمت الضمير، لن يبقى في الفضاء العام سوى صدى الصمت.
بقلم محمد فتاح