مونديال 2030 بالمغرب: بين واجهة التنمية ومخاوف الإقصاء الاجتماعي

ابراهيم
أحداثالوطنيةمال و أعمال
ابراهيم23 يونيو 2025آخر تحديث : منذ أسبوعين
مونديال 2030 بالمغرب: بين واجهة التنمية ومخاوف الإقصاء الاجتماعي

يعيش المغرب منذ شهور على وقع تحضيرات متسارعة لاحتضان جزء من مباريات كأس العالم 2030، في إطار شراكة ثلاثية مع إسبانيا والبرتغال ، وتُقدَّم الحكومة هذه الاستعدادات من طرف على أنها “فرصة تاريخية” لإطلاق دينامية تنموية شاملة، تشمل تعزيز البنية التحتية، وتطوير المرافق الرياضية، وتحسين جاذبية المدن، بما يفتح المجال أمام تدفق الاستثمارات وإحداث فرص شغل لفائدة الشباب والفئات النشيطة.

وبينما تشهد مدن رئيسية وأخرى متوسطة أوراشاً كبرى لإعادة تهيئة الملاعب والمطارات والطرق وتجميل الفضاءات العامة وغيرها ، يرافق هذا الزخم الإعلامي والمؤسساتي تساؤلات مجتمعية متزايدة حول طبيعة هذا التحول: هل هو فعلا بصدد انطلاقة حقيقية نحو تنمية متوازنة تُنصف الجميع؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تلميعاً للواجهة على حساب العمق الاجتماعي؟ فالتحضيرات الجارية، رغم زخمها، لم تُخفِ آثارها الجانبية على فئات اجتماعية واسعة، خاصة من الباعة المتجولين وأصحاب الأنشطة المتوسطة ، الذين تفاجؤوا بحملات صارمة لتحرير او تنظيم الملك العام دون توفير بدائل واقعية أو مرافقة اجتماعية تحترم كرامتهم ومصدر عيشهم.

ويتجلى التناقض الصارخ في أن هذه الحملات لم تقتصر على الفئات الهشة ، بل طالت حتى محلات ومقاهي كبرى، حيث أُزيلت واجهاتها دون تخطيط واضح لإعادة التأهيل أو تعويض الخسائر، ما خلّف حالة من الاستياء لدى أصحابها، إلى جانب تشوه بصري وارتباك عمراني في مدن يُفترض أن تكون واجهة للمملكة خلال هذا الحدث العالمي.

ويُعدّ هذا الوضع مثالاً ضمن سلسلة من التدخلات التي تُنفذ بوتيرة سريعة، في ظل غياب رؤية معمارية متكاملة تراعي خصوصيات الهوية المجالية وتضمن انسجام الفضاء العام ، الأمر الذي أفرز اختلالات بصرية وتدهوراً في التنسيق الحضري، لتُطرح أسئلة جوهرية حول مدى جاهزية المدن المغربية لاستيعاب حدث عالمي بهذا الحجم دون المساس بتوازنها الاجتماعي والثقافي.

في موازاة ذلك، تُروّج الحكومة لأرقام واعدة بشأن مناصب الشغل التي يُتوقّع أن يُحدثها المونديال، غير أن طبيعة هذه الوظائف تثير تساؤلات حول مدى استدامتها وجدواها الفعلية، باعتبار أن أغلبها يندرج ضمن خدمات موسمية مثل الأمن الخاص، التنظيف، الدعم اللوجستي، والترويج السياحي، دون ضمانات حقيقية للاستمرارية أو الإدماج في سوق الشغل الرسمي. كما يخشى كثيرون أن تتحول هذه “الفرص” إلى مجرد لحظات عابرة تنتهي بانتهاء الحدث، دون أن تترك أثراً إيجابياً مستداماً على الفئات العاملة أو العاطلة، خاصة في ظل هشاشة آليات الحماية الاجتماعية، وعدم احترام بعض شروط مدونة الشغل في هذا النوع من التشغيل المؤقت.

وإذا كان الحدث الرياضي يشكل بالفعل محطة دولية كبرى، فالأهم بالنسبة للعديد من الفاعلين المحليين هو مدى قدرة السياسات المصاحبة على تحويل هذه الفرصة إلى رافعة حقيقية للتنمية العادلة ، إذ تبقى الفئات الضعيفة، حتى الآن، في موقع المتضرر من الإصلاحات التجميلية، بينما تستفيد من زخم المونديال القطاعات البنكية، والشركات الكبرى، والمقاولات السياحية ذات الرساميل القوية، وهو ما يعمق الفجوة بين الخطاب الرسمي وواقع العدالة الاجتماعية.

وفي ظل كل هذه التحولات، يبدو التحدي الأعمق اليوم ليس فقط في إنجاح تنظيم كأس العالم على المستوى اللوجستي والرياضي، بل في تحويل لحظة الاستعداد له إلى ورش حقيقي للإصلاح الاجتماعي، يدمج الجميع في مسار التنمية، ويصون كرامة الفئات التي طالما ظلت على هامش السياسات العمومية ، ويبقى الأمل معقودًا على أن تتحول هذه المناسبة العالمية من مجرد تظاهرة رياضية إلى محطة لبناء نموذج تنموي منصف ، يكرّس العدالة الاجتماعية والمجالية ، ويمنح لكل الفئات موقعًا عادلاً في مغرب المستقبل ، ويكون مونديال 2030 بداية إصلاح حقيقي ، لا فرصة تُستهلك في المظاهر وتُفوّت في الجوهر.

المصطفى اخنيفس

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...
موافق